سورة الكهف - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{واصبر نَفْسَكَ} واحبسها وثبتها. {مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشى} في مجامع أوقاتهم، أو في طرفي النهار. وقرأ ابن عامر {بالغدوة} وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير. {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} رضا الله وطاعته. {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ. وقرئ: {ولا تعد عينيك} {وَلاَ تَعْدُ} من أعداه وعداه. والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى طراوة زي الأغنياء. {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها. {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} من جعلنا قلبه غافلاً. {عَن ذِكْرِنَا} كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش. وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات، حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة. والمعتزلة لما غاظهم إسناد الإِغفال إلى الله تعالى قالوا: إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقلوب الذين كتبنا في قلوبهم الإِيمان، واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر أولاً بقوله: {واتبع هَوَاهُ} وجوابه ما مر غير مرة. وقرئ: {أَغْفَلْنَا} بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة. {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} أي تقدماً على الحق ونبذاً له وراء ظهره يقال: فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط.


{وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ} الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى، ويجوز أن يكون الخبر خبر مبتدأ محذوف و{مّن رَّبّكُمْ} حالاً. {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} لا أبالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر، وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وإن كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته. {إِنَّا أَعْتَدْنَا} هيأنا. {لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} فسطاطها، شبه به ما يحيط بهم من النار. وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} من العطش. {يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل} كالجسد المذاب. وقيل كدرديّ الزيت وهو على طريقة قوله: فأعتبوا بالصيلم. {يَشْوِى الوجوه} إذا قدم ليشرب من فرط حرارته، وهو صفة ثانية لماء أو حال من المهل أو الضمير في الكاف. {بِئْسَ الشراب} المهل. {وَسَاءتْ} النار. {مُرْتَفَقًا} متكأ وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد، وهو لمقابلة قوله وحسنت مرتفقاً وإلا فلا ارتفاق لأهل النار.


{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها، والراجع محذوف تقديره من أحسن عملاً منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملاً كما هو مستغنى عنه في قولك: نعم الرجل زيد، أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملاً لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الأجر أو خبر ثان. {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} من الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة ل {أَسَاوِرَ}، وتنكيره لتعظيم حسنها من الإِحاطة به وهو جمع أسورة أو أسوار في جمع سوار. {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} لأن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة. {مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} مما رقّ من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك} على السرر كما هو هيئة المتنعمين. {نِعْمَ الثواب} الجنة ونعيمها. {وَحَسُنَتْ} الأَرَائك {مُرْتَفَقتً} متكأ.
{واضرب لَهُمْ مَّثَلاً} للكافر والمؤمن. {رَّجُلَيْنِ} حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه الخير، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى. وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الأشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم {جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} بستانين. {مّنْ أعناب} من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين. {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزراً بها كرومهما، يقال حفه القوم إذا أطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك: غشيته به. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} وسطهما. {زَرْعًا} ليكون كل منهما جامعاً للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق.
{كِلْتَا الجنتين اتَتْ أُكُلَهَا} ثمرها، وإفراد الضمير لإِفراد {كِلْتَا} وقرئ: {كل الجنتين آتى أكله}. {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ} ولم تنقص من أكلها. {شَيْئاً} يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالباً. {وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً} ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما، وعن يعقوب {وَفَجرنَا} بالتخفيف.
{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره. وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يراجعه في الكلام من حار إذا رجع.
{أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} حَشَماً وأعواناً. وقيل أولاداً ذكوراً لأنهم الذين ينفرون معه.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها، وإفراد الجنة لأن المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيهاً على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون، أو لاتصال كل واحد من جنتيه بالأخرى، أو لأن الدخول يكون في واحدة واحدة. {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} ضار لها بعجبه وكفره {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} أن تفنى. {هذه} الجنة. {أَبَدًا} لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته.
{وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} كائنة. {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى} بالبعث كما زعمت. {لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا} من جنته، وقرأ الحجازيان والشامي {منهما} أي من الجنتين. {مُنْقَلَباً} مرجعاً وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه.
{قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك. {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} فإنها مادتك القريبة. {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} ثم عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال. جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى، ولذلك رتب الإِنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10